ما فعله الغلاء بصحة المصريين.. كيف تتسبب الأزمة الاقتصادية في زيادة سوء التغذية؟

تحقيق متصدقش

📌 ارتفعت أسعار البروتين الحيواني في مصر إلى مستويات قياسية، نتيجة نقص الدولار وأزمة استيراد الأعلاف التي بدأت منذ عام 2022. تجاوز سعر كيلو الدواجن 105 جنيه، فيما تخطى سعر كيلو اللحمة البلدي 400 جنيه، بينما سجل سعر كيلو السمك البلطي في الأسواق 90 جنيه.

◾ أدى ارتفاع الأسعار بهذا الشكل إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وأعاق قدرة معظم الأسر المصرية على شراء الأغذية البروتينية التي تُعد من الاحتياجات الأساسية لجسم الإنسان.  

◾ نشرح في هذا التقرير كيف يجبر ارتفاع أسعار السلع الغذائية المواطنين إلى تغيير نظامهم الغذائي وتخفيض استهلاكهم من الطعام الصحي، واستبدالها بأطعمة ضعيفة الفائدة الغذائية، وتأثير ذلك على معدلات سوء التغذية. ⬇️⬇️

⭕️ ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الغذاء

◾ سجل تضخم أسعار الطعام والشراب في مصر معدلًا قياسيًا خلال العام 2023، بعدما وصل إلى 63.3% على أساس سنوي. وكان الأعلى عالميًا خلال شهور يونيو وأغسطس وسبتمبر 2023، بحسب بيانات البنك الدولي.

◾ وتُظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، أن نسبة ارتفاع أسعار السلع على أساس سنوي، جاءت على النحو التالي: 

• اللحوم والدواجن: 73%
• الأسماك والمأكولات البحرية: 70%
• الألبان والجبن والبيض: 55%
• الخضروات: 83%
• الفواكه: 56%

❓❓ كيف أثر ارتفاع الأسعار على استهلاك الغذاء؟

◾ تتأثر الشرائح الفقيرة أكثر من غيرها عند ارتفاع أسعار الغذاء، ويرجع ذلك إلى أنها تخصص حصة كبيرة من دخلها للإنفاق على شراء الطعام والمشروبات. 

◾ وتُظهر دراسة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في أغسطس 2022، أن 74% من الأسر المصرية خفضوا استهلاكهم من السلع الغذائية بسبب ارتفاع الأسعار في عام 2022. 

◾ ووفق الدراسة التي شملت 10 آلاف أسرة، جاءت نسبة انخفاض الاستهلاك من السلع الغذائية على النحو التالي:

• 90 % من الأسر خفضت استهلاكها للبروتينات (لحوم ودواجن وأسماك).
• 68 % من الأسر انخفض استهلاكها من البيض.
• 57 % من الأسر انخفض استهلاكها من الخضروات.
• 69 % من الأسر انخفض استهلاكها من الفاكهة.

◾ من المهم ملاحظة أن الدراسة كانت في شهر أغسطس 2022، قبل تفاقم التضخم أكثر على مدى الـ 16 شهرًا التالية، لذلك من المتوقع أن يكون الوضع قد ازداد سوءً مع تضاعف أسعار معظم السلع الغذائية خلال هذه الفترة. ولا توجد بيانات محدثة من "المركزي للإحصاء" تكشف لنا تأثير ارتفاع الأسعار المستمر على تغيير نمط الغذاء لدى المواطنين.

⭕️ كميات قليلة وغذاء غير متنوع

◾ يُظهر تقرير مشترك بين الجهاز المركزي للتعبئة وبرنامج الأغذية العالمي، أنه بسبب أسعار الغذاء والانخفاض الحاد في مستوى المعيشة، فإن الحصول على الغذاء من الناحية الاقتصادية أصبح يُمثل أهم مخاوف انعدام الأمن الغذائي، إذ تتبنى الأسر المصرية أساليب عنيفة للتكيف مع ارتفاع الأسعار، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة سوء التغذية. 

◾ ويحصل 60% من الفقراء في مصر على السعرات الحرارية اللازمة للبقاء على قيد الحياة من النشويات (البطاطس والحبوب)، حيث تُشكل الأطعمة ذات القيمة الغذائية المنخفضة نسبة كبيرة من النظام الغذائي لغالبية الأسر المصرية.

◾ وفي تقرير للباحث المتخصص في ملف الغذاء أحمد حرارة، يقول: "تعوق القدرة الشرائية المحدودة في ضوء التضخم وسعار الأسعار الكثير من الأسر عن شراء كميات كافية من الطعام أو استهلاك نظام غذائي مغذي ومتوازن، مما يؤدي لانحصار نظامهم الغذائي إلى حد كبير في تناول كميات كبيرة من الأغذية عالية الطاقة ضعيفة الفائدة الغذائية."

◾ ويُعد التنوع الغذائي عنصرًا أساسيًا، لأن تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة يُساعد على ضمان الحصول على كميات كافية من العناصر الغذائية التي ترفع من المستوى الصحي، وعلى العكس من ذلك، فإن انخفاض التنوع الغذائي يؤدي إلى ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض سوء التغذية على مستوى الأسر والأطفال.

◾ وفي تصريحات لـ #متصدقش، أكد الدكتور أحمد الورداني استشاري التغذية العلاجية، أن عدم تناول البروتين يؤدي إلى نقص في النمو وضعف في العضلات ويؤثر سلباً على وظائف الأعضاء الحيوية، بالإضافة إلى نقص الفيتامينات والمعادن. ولتفادي هذه المخاطر ينصح استشاري التغذية بتعويض البروتين الحيواني من مصادر أخرى أقل تكلفة، مثل تناول البيض واللبن والعدس والخضروات الورقية.

◾ وبالرغم من أن عيادته تقع في إحدى أرقى مناطق القاهرة، يقول الدكتور أنه لاحظ أن المرضى بدأوا في تقليل تناول البروتين، كما يشتكون من  الأنظمة الغذائية التي يصفها لهم بسبب عدم قدرتهم على تحمل أسعارها المرتفعة، ويطلبون استبدال البروتين الحيواني بمصادر أخرى أقل تكلفة.

⭕️ تأثير ارتفاع الأسعار على سوء التغذية

◾ يؤدي ارتفاع أسعار الغذاء إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي (عدم الحصول بانتظام على ما يكفي من الغذاء المأمون والمغذّي من أجل النموّ والتطور الطبيعي والعيش حياة نشطة وصحية)، وبالتالي ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض سوء التغذية العامة. ولسوء التغذية والجوع أثار صحية جسدية وذهنية خطيرة على الإنسان.

◾ وبحسب "مؤشر الحالة التغذوية" الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، يُصيب التقزم 1 من كل 7 أطفال دون سن الخامسة، حيث بلغ معدل التقزم في مصر 13% في عام 2021. ويُعاني 4% من الأطفال دون سن 5 سنوات من نقص الوزن.

◾ ومن بين كل 9 أطفال، يُعاني 1 من الزيادة في الوزن، حيث تبلغ نسبة الأطفال الذين يُعانون من زيادة في الوزن 11.5%. وتتصدر محافظات الصعيد قائمة أكثر المحافظات انتشارًا لسوء التغذية.

◾ وتكشف نتائج الفحوصات التي أجرتها الإدارة العامة لبرامج أمراض الطفولة بوزارة الصحة، خلال العام الدراسي الماضي، على عينة من 10 ملايين طالب من المدارس الابتدائية، إصابة مليون و927 ألف طالب بأمراض سوء التغذية، بحسب تحقيق لموقع المنصة.

◾ وتُظهر نتائج الفحص، إصابة 913 ألف بالأنيميا، و708 ألف بأمراض السمنة، و 304 آلاف طالبًا بالتقزم.

◾ وتُعد أمراض البدانة والتقزم والأنيميا لدى الأطفال مؤشرًا لسوء التغذية العامة. على سبيل المثال فإن ظاهرة التقزم تنتج عن سوء التغذية وتردي الصحة لدى الأم الحامل ما يؤثر على وليدها. 

◾ ولا يقتصر التقزم على نقص الطول، بل يمتد ليشمل نقص المناعة، ويستمر حتى مع الدخول في مرحلة الشباب والشيخوخة، ما يؤدي إلى سرعة التأثر بالمرض والتعرض للوفاة.

◾ كما يرتبط زيادة الوزن لدى الأطفال بالتغذية السيئة، ما يتسبب في ارتفاع خطر الإصابة بالعديد من الأمراض، من بينها السكري والكبد الدهني وارتفاع ضغط الدم، إضافة إلى الأمراض النفسية. ويأتي ذلك بسبب التغذية غير الصحية.

◾ وينتشر مرض الأنيميا بين الأطفال نتيجة عدم حصولهم على قدر كافي من الرضاعة الطبيعية في أول ستة أشهر من عمرهم، مع عدم تلقيهم العناصر الغذائية الضرورية خلال المراحل التالية. حيث تلجأ غالبية الأمهات من الطبقات الفقيرة إلى الاكتفاء بالرضاعة الطبيعية فقط بسبب عدم القدرة على توفير مغذيات خارجية يحتاجها الطفل. 

⭕️ مؤشرات مقلقة

◾ تأتي مصر في المرتبة 77 عالمياً من بين 113 دولة وفقا لمؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2022. 

◾ تحتل مصر المرتبة 57 من أصل 121 دولة في مؤشر الجوع العالمي.

◾ في عام 2018 جاءت مصر ضمن أكثر 20 دولة على مستوى العالم معاناة من سوء التغذية الحاد، قياسًا على أربعة مظاهر: انتشار التقزم وقلة الرضاعة الطبيعية والهزال والأنيميا، بحسب دراسة للبنك الدولي.

◾ تُظهر بيانات "منظمة الأغذية والزراعة" في 2020/2022، أن 31 مليون شخص في مصر يعانون انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، ويعاني 9.7 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد. كما يُعاني نحو 7.8 مليون شخص من نقص التغذية.