📌 في أكثر من مناسبة، احتفى رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، ووزير المالية، الدكتور محمد معيط، بتحقيق فائضًا ماليًا أوليًا في الموازنة العامة.
◾ويعرف الفائض الأولي بأنه الفارق بين الإيرادات والمصروفات بعد استبعاد مصروفات سداد الديون وفوائدها.
◾لكن تباهي رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بتحقيق الموازنة العامة للدولة فائضًا أوليا لخمس سنوات متتالية، رغم الأزمات والصدمات العالمية، لاينعكس في تقليل حجم الديون المحلية والخارجية، ولا يعكس أي انفراجة في زيادة الإنفاق على خدمات المواطنين، بحسب خبراء اقتصاد تحدثوا إلى #متصدقش.
◾ وارتبط الإعلان عن تحقيق "الفائض الأولي"، بزيادة متسارعة في حجم القروض التي تحصل عليها سنويًا، وزارة المالية، لتعويض العجز بين الإيرادات والمصروفات، وسداد قروض قديمة.
◾يقول الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع، إن الحكومة واصلت الاقتراض فوق "الفائض" لسداد خدمة الديون التي تلتهم % 47.5 من مصروفات الموازنة العامة الحالية للدولة وبالتالي "تقل أهمية الفائض الأولي، نتيجة تضخم حجم الدين بشكل كبير جدًا".
◾ويرى مدير وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وائل جمال، أن الفائض الأولي الذي تعلن عنه الحكومة ناتج عن تقشف حكومي في الإنفاق على بعض البنود التي تمس المواطن مثل الأجور والدعم وشراء السلع والخدمات، في مقابل التوسع في دفع أموال الدائنين.
فائض وهمي:
◾ حسب بيانات حكومية، حققت موازنة الدولة فائضًا أوليًا لأول مرة منذ 15 عامًا، بنحو 4.9 مليارات جنيه في موازنة (2017 - 2018)، واستمرت سنويًا تحتفي بتحقيق فائض أعلي من العام السابق.
◾لكن الجانب الآخر من القراءة الرقمية، لبيانات الموازنة العامة، تشير إلى أنه خلال نفس السنوات ، ارتبطت زيادة الفائض بزيادة أكبر في أقساط القروض وفوائدها.
◾علي سبيل المثال، خلال العام المالي الأول لتحقيق الفائض (2017 - 2018)، بلغ العجز الكلي للموازنة 432.6 مليار جنيه، وكان حجم اقتراض الحكومة وإصدار الأوراق المالية (أذون وسندات) 700.2 مليار جنيه.
◾ومن وقتها تكرر ذلك في كل عام مالي لاحق، ففي العام المالي الماضي (2022 - 2023)، أعلنت وزارة المالية، تحقيق فائض أولي، نحو 164.3 مليار جنيه، في الوقت نفسه كان العجز 609.9 مليار جنيه، واقترضت الحكومة 1.4 تريليون جنيه.
◾ووفقًا لأحدث أرقام "موازنة فعلية" لعام 2022 - 2023، زادت المصروفات على أقساط وفوائد القروض بنحو 10 أضعاف الفائض الأولي لنفس العام.
◾خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الحالي (2023 - 2024)، أعلنت وزارة المالية، تحقيق فائض أولي بلغ نحو 416 مليار جنيه، لكن في نفس الفترة، سجل العجز الكلي للموازنة 759.192 مليار جنيه، على عكس تقديرات الحكومة في الموازنة التي كانت تشير إلى 555 مليار جنيه.
◾ انعكس ذلك على زيادة حجم الدين المحلي الذي كان نحو 3.4 تريليون جنيه أول موازنة مالية تحقق فائض أولي، إلي 6 تريليون جنيه في الربع الأول من عام 2023، بحسب بيانات وزارتي المالية والتخطيط.
◾ بينما زاد الدين الخارجي من 92.6 مليار دولار من العام المالي (2017 - 2018) إلى 165.361 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي، بحسب بيانات البنك المركزي ووزارة التخطيط.
◾️ويتفق كلًا من نافع وجمال، في أن الفائض غير مؤثر في استدامة المالية العامة، لأنه لا ينعكس على انخفاض رصيد الدين، وانخفاض العجز الكلي. ولم تحقق الحكومة أي تحسن في هذه المؤشرات حتى الآن.
⭕ فائض على حساب المواطنين
◾️ أرجع الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع، تحقيق الحكومة فائض أولي في موازنتها المالية، إلى تقليل المصروفات على بنود أخرى أكثر أهمية للشعب، وذلك من أجل سداد الديون.
◾️ وقال إن المصروفات على بنود الأجور والاستثمارات الحكومية وشراء السلع والخدمات، قلّ نصيبها لصالح خدمة الدين، وهذا عزز فكرة وجود فائض أولي، إضافة إلى رفع أسعار الكهرباء والخدمات العامة.
◾️ على سبيل المثال، نظريًا ارتفعت مصروفات الأجور وتعويضات العاملين من 412 مليار جنيه في (2022 -2023) المعدلة، إلى 470 مليار جنيه في موازنة (2023 - 2024)، وفي نفس الأعوام ارتفعت مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية من 454 مليار جنيه إلى 529 مليار جنيه، وشراء السلع والخدمات من 127 مليار جنيه إلى 139.3 مليار جنيه.
◾️ في الوقت نفسه، انخفضت قيمة الجنيه، بعدما ارتفع سعر صرف الدولار بنسبة 58% عقب التعويم الأخير للجنيه في مارس 2024، فيما بلغت معدلات التضخم مستويات قياسية لتسجل 34% تقريبًا في عام 2023، بينما تشير تقديرات مدير وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية، إلى تسجيل التضخم التراكمي في الفترة من يونيو 2023 إلى مارس 2024 نسبة 25 %.
◾️ إذا حسبنا الزيادة في مخصصات الأجور والدعم وشراء السلع، سنجد أن الأجور زادت بنسبة 14 %، والدعم زاد بنسبة 16%، وشراء السلع بنسبة 10 %، أي أن نسب الزيادة أقل من نسبة التضخم (25 %) - اعتمادًا على تقديرات جمال - في حين زادت مصروفات الفوائد من موازنة عام ( 2022 -2023) إلى موازنة (2023 - 2024) بنسبة 44.6 %.
◾️ ويرى مدير وحدة العدالة الاقتصادية بالمبادرة المصرية وائل جمال، أن أي تطور أو زيادة في بنود المصروفات، يجب مقارنته بقدرة الزيادة على شراء سلع اقتصادية، بحيث تفوق الزيادة نسبة التضخم، فأي بند من المصروفات لم يزد عن نسبة التضخم (25 %)، فهو في الحقيقة قلّ حتى لو تم زيادته بالأسعار الجارية في الموازنة.
لماذا كل هذا الاهتمام بـ"الفائض"
◾️ تزامن إعلان الحكومة عن تحقيق أول فائض أولي في ميزانية عام 2017 - 2018 مع حصولها على أول قرض من صندوق النقد الدولي في عام 2016 بقيمة 12 مليار دولار، وتطبيق ما يسمى بـ "برنامج اصلاح الاقتصادي".
◾️ في حديثه لـ #متصدقش، يرى وائل جمال، أن اهتمام الحكومة بإبراز الفائض الأولي يعود إلى سببين؛ الأول هو التباهي وتسويقه كنجاح.
◾️والسبب الثاني يعود إلى اشتراط صندوق النقد الدولي تحقيق فائضًا أوليًا، ويتوقع وزير المالية الدكتور محمد معيط أن لايقل الفائض الأولي عن 3.5 % في السنة المالية القادمة.
◾️ ويتفق معه الدكتور مدحت نافع، ويقول إن سبب اهتمام الحكومة بأرقام الفائض الأولى، يعود إلى اشتراط صندوق النقد الدولي تحقيق فائض أولي، لتعزيز قدرة الحكومة على سداد الديون.
◾️ في نهاية مارس 2024، قال بيان لصندوق النقد الدولي عقب اتفاق تسهيل القرض الممد مع مصر إنه"من الحكمة التزام السلطات باستخدام جزء كبير من التمويل الجديد من صفقة رأس الحكمة لتسريع تصفية الديون المتراكمة والمتأخرات بالعملة الأجنبية، وخفض الديون الحكومية".
◾️ ويرى "نافع"، أن صندوق النقد يهتم بالفائض الأولي كمعيار من معايير الاستدامة، متوقعًا زيادة تقديرات الفائض الأولي إلى 5 % رغم أن التقديرات كانت تشير إلى تحقيق نسبة 2.5 % فائض أولي على الأكثر، وذلك بسبب طلب الصندوق دخول نصف حصيلة صفقة رأس الحكمة إلى الموازنة، لتعزيز سداد الدين.
مَا من حوار مَعك بعدَ الآن يا محمد..
— متصدقش (@matsda2sh) December 5, 2022
بمزيد من الحزن والألم، ينعى فريق عمل "متصدقش"، صديقنا، وشريكنا المؤسس، الصحفي محمد أبو الغيط.
قاوم أبو الغيط، مرض السرطان، بصبر وشجاعة نادرة، ورضا بقضاء الله حتى آخر لحظة. pic.twitter.com/9lywyhUbzK