📌 خلال الشهور الماضية، تبنت الحكومة المصرية على المستوى الرسمي خطابًا متسامحًا مع المهاجرين واللاجئين السودانيين في مصر، وتتم الإشارة إليهم في كل مناسبة باعتبارهم "ضيوف"، واستقبالهم خلال الحرب الدائرة في بلادهم واجب الجيرة والعروبة والإنسانية.
◾ على أرض الواقع، الوضع مختلف. تكشف تقارير وشهادات وثقها فريق #متصدقش، ترحيل قوات الأمن المصري آلاف اللاجئين السودانيين وإعادتهم قسرًا إلى بلادهم التي لم تتوقف فيها الحرب منذ أبريل 2023، بالمخالفة للقوانين والاتفاقات الدولية التي وقعت عليها مصر، وبما يعرض حياتهم للخطر.
◾ ولا تعلن الحكومة عدد من يتم ترحيلهم من البلاد، لكن وفق ما رصده فريق #متصدقش في تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة وأخبار صحفية، فإن عدد السودانيين الذين تم ترحيلهم بين أبريل 2023 ويونيو 2024 لا يقل عن 8000 آلاف.
◾ ومنذ اندلاع الحرب في السودان وحتى أغسطس الجاري، تواصل مع مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في مصر، 700 ألف سوداني أجبروا على الفرار من بلادهم، معظمهم من النساء والأطفال، ومُسجل لديها حاليًا 452 ألف سوداني، فيما توجد قوائم انتظار للتسجيل تضم عشرات الآلاف.
مُرحلون رغم التسجيل في المفوضية
◾ وصلت ليلى (40 عام) مع أولادها الخمسة إلى مصر عقب اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، حيث استقرت في محافظة أسوان. بعد فترة طويلة من الانتظار، نجحت السيدة في التسجيل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مطلع مايو 2024، وأخبروها أنها ستحصل على بطاقة المفوضية في ديسمبر 2024، التي تضمن لها وضعًا قانونيًا سليمًا، وبعض الدعم المادي.
◾ لم تهنأ "ليلى" بنجاحها في التسجيل لدى مفوضية اللاجئين سوى أسبوعين اثنين فقط وفق حديثها لـ #متصدقش، إذ وجدت نفسها و3 من أولادها مُرحلين قسريًا إلى السودان. تحكي السيدة: "انتظرت طويلاً حتى سجلت لدى مفوضية اللاجئين، وشعرت أني وأولادي بأمان أخيرًا، ويمكننا بدء حياة جديدة، ولكن ذلك لم يدم طويلًا!".
◾ سافر نجلي "ليلى" الأكبر سنًا إلى القاهرة للبحث عن عمل ومسكن مناسب للأسرة، وبينما كانت السيدة تتجه إلى القاهرة مع أولادها الصغار لتجتمع الأسرة في مكان واحد، تم القبض عليهم وترحيلهم قسرًا.
◾ تحكي: "رُحلت على غفلة. كنت في محطة الحافلات بأسوان أحجز التذاكر لأغادر إلى القاهرة، وبعد صعودي الباص تغيرت وجهته، وسألني أفراد يرتدون زيًا رسميًا إذا كان معي بطاقة لجوء من المفوضية فأعطيتهم ورق التسجيل، وبعد ذلك وجدت الباص يتجه إلى منطقة أبو سمبل دون توضيح. عرفت بعد ذلك أني يتم ترحيلي إلى السودان دون سبب، وبالفعل وجدتني مع نحو 11 آخرين في معبر أرقين".
◾ عقب وصولها السودان، عاشت "ليلى" وأطفالها في دار إيواء بمدينة بورتسودان شرقي البلاد في ظروف صعبة، قبل أن ينجح زوجها المقيم في السعودية في استخراج تأشيرات سفر لأداء العمرة لها وللأطفال، لكنها لا تزال تقول بمرارة: "لجأت إلى مصر باعتبارها الأقرب جغرافيًا ووجدانًا، ولكن تفاجأت بتعامل الحكومة المصرية مع السودانيين في ظل الحرب التي نعيشها ومنعنا من اللجوء داخل أراضيها".
◾ ترحيل "ليلى" وأطفالها ليست الواقعة الأولى لترحيل لاجئين سودانيين مُسجلين، فبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة، رحلت مصر بين 15 أبريل 2023 ونوفمبر من نفس العام، نحو 6600 سوداني، بينهم لاجئين مسجلين لديها.
معاملة قاسية خلال الترحيل
◾ هرب يحيى (50 عام) إلى مصر، مع 16 من أفراد أسرته بحثًا عن الأمن. دخلوا البلاد تهريبًا عبر الممرات الجبلية، بعدما عجزوا عن دخولها بطريق رسمي بسبب القيود التي استحدثتها مصر بعد اندلاع الحرب، والتي تشمل إلزام جميع السودانيين بالحصول على تأشيرة قبل القدوم إلى مصر، وإلغاء الاستثناء الذي كان يُمنح للأطفال تحت سن 16 عامًا والنساء وكبار السن.
◾ ويجد كثير من السودانيين صعوبة كبيرة في استخراج تأشيرات من القنصلية المصرية في السودان بسبب التكدس، ووجود قوائم انتظار تصل إلى 6 أشهر. ووثقت تقارير صحفية وجود مافيا لبيع التأشيرة المصرية للسودانيين مقابل مبلغ يصل إلى 1650 دولارًا للفرد الواحد، فيما اطلع فريق #متصدقش على إعلانات على منصات التواصل الاجتماعي في السودان تروج لبيع تأشيرة مصر بـ 1400 دولار للفرد.
◾ وتعد رحلات تهريب البشر بين السودان ومصر شديدة الخطورة، إذ يسلك المهربون طرقًا وممرات جبلية خطرة للهروب من حرس الحدود المصري. في يونيو الماضي، وثقت منظمة "منصة اللاجئين في مصر" مصرع 40 سودانيًا على الأقل، وإصابة وفقدان عشرات آخرين، أثناء محاولتهم العبور إلى مصر عبر طرق التهريب، خلال موجة الحر التي وصلت معها درجات الحرارة في محافظة أسوان إلى نحو 50 درجة في الظل.
◾ لم يكد يستقر "يحيى" في أسوان مع عائلته، حتى ألقت قوات الأمن المصرية القبض عليه ورحلته إلى السودان، لكن أكثر ما يحزنه هي المعاملة القاسية التي تلقاها. يقول: "أخذونا في مدرعات الجيش إلى منطقة أبو سمبل. وضعونا في مكان أشبه بالسجن بدون تهوية ولا أكل ولا ماء. عاملونا جميعًا بشكل سيء حتى الأطفال والنساء والمرضى".
◾ يعيش "يحيى" مع والديه وأبنائه حاليًا في مسجد داخل مدينة حلفا قرب الحدود مع مصر. "نعيش وسط المطر والبرد، ولا نملك أبسط مقومات الحياة من دخل وإعانة"، يختتم حديثه لـ #متصدقش".
◾ تروي *فاطمة قصة مشابهة. دخلت مصر عن طريق التهريب مع أطفالها، وحين قُبض عليهم رُحلوا قسريًا إلى السودان. "وضعونا وعشرات آخرين داخل مباني هرمية (جملونات) بدون تهوية، يبدو أنها تتبع للجيش المصري. السيدات في مكان واحد، والرجال في مكان مشابه، وبعدها نقلونا في 3 أتوبيسات إلى المعبر".
◾ وعن شعورها خلال ترحيلها وبناتها تقول: "شعرت بالذل والخوف من مصيرنا الغامض في ظل الحرب. أخذت أطفالي وبينهم بنتان في عمر المراهقة خشيت عليهن من الاغتصاب على يد قوات الدعم السريع، والآن عدت لأواجه المخاوف نفسها".
◾ ووثقت منظمة العفو الدولية في تقرير صادر في يونيو 2024، تعرض عشرات السودانيين للاحتجاز التعسفي والترحيل القسري من مصر، وتعرض كثير منهم لظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية شملت الاكتظاظ وقلة الطعام وردائته وعدم الحصول على الرعاية الصحية.
❓ كيف تخالف مصر القانون والاتفاقيات الدولية؟
◾ تنص المادة 33 من اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والتي وقعت عليها مصر، على أنه "لا يجوز لأية دولة أن تطرد لاجئا أو ترده بأية صورة من الصور إلي حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها (...)"، فيما تنص الاتفاقية الإفريقية المتعلقة بمشاكل اللاجئين لعام 1969، والتي وقعت عليها مصر أيضًا على أنه "لا يجوز إعادة أي لاجئ إلى وطنه رغمًا عن إرادته".
◾ وفق هذا النصوص، يرى المحامي والقانوني السوداني، إسماعيل التوم، والمحامي والقانوني المصري، أحمد معوض، أن ترحيل اللاجئين السودانيين من مصر مخالف لحقوق اللاجئين والمعاهدات الدولية.
◾ ويؤكد "معوض" على أنه لا يوجد مبرر لترحيل اللاجئين السودانيين حتى لو دخلوا البلاد بطريقة غير نظامية، لأن بلدهم في حالة حرب، وبالتالي فهروبهم إلى مصر حق مشروع، ويجب أن يُمكنوا من التسجيل لدى مفوضية اللاجئين.
◾ ويوضح المحامي المصري أنه لا يجوز ترحيل اللاجئ إلا إذا شكل خطرًا على الأمن العام، وفي هذه الحالة يكون الترحيل بعد حكم قضائي نهائي، وإلى دولة ثالثة لا يخشى تعرضه للخطر فيها، لكن الحكومة المصرية ترفض تنفيذ ذلك وتُرحل اللاجئين لدولهم حتى لو كان يتعرضون للخطر أو الموت، والسودانيين والإريتريين أكثر من تعرض لهذا الانتهاك.
◾ وينتقد إسماعيل التوم، مفوضية اللاجئين في مصر، معتبرًا أنها شريك في الانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئون داخل الأراضي المصرية بتغاضيها عما يحدث للسودانيين، و تقاعسها عن حمايتهم وهم تحت حمايتها وفقًا لاتفاقية 1951 لحماية اللاجئين.
مَا من حوار مَعك بعدَ الآن يا محمد..
— متصدقش (@matsda2sh) December 5, 2022
بمزيد من الحزن والألم، ينعى فريق عمل "متصدقش"، صديقنا، وشريكنا المؤسس، الصحفي محمد أبو الغيط.
قاوم أبو الغيط، مرض السرطان، بصبر وشجاعة نادرة، ورضا بقضاء الله حتى آخر لحظة. pic.twitter.com/9lywyhUbzK