📌 "الخضار ما بقتش رخيصة زي زمان، وبقينا نحسب لها زيها زي كل حاجة"، هكذا تحكي أم محمود، البالغة من العمر 51 عامًا، والتي تعمل في أحد مصانع الملابس بالقاهرة براتب شهري قدره 2800 جنيه.
◾ زيادة الأسعار أثرت بشكل كبير على قدرتها على شراء الاحتياجات اليومية من الطعام، مما جعلها تضطر لإعادة النظر في مشترياتها كما تحكي. توضح: "قبل فترة قصيرة كنت بنزل أجيب تشكيلة خضار تكفيني لأكثر من يوم بحوالي 50 جنيهًا، أما الآن أصبحت أكتفي بصنفين أو ثلاثة بالكاد، وبكميات قليلة من الخضروات، ورغم ذلك أجد نفسي أدفع حوالي 100 جنيه لإعداد وجبات يوم واحد".
◾ تكشف بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن أسعار الطعام في مصر ارتفعت بنسبة 169% خلال الفترة من يناير 2022 إلى أكتوبر 2024. وكانت الخضروات ضمن أكثر الأطعمة تأثرًا من الموجة التضخمية، حيث قفزت أسعارها بنسبة 238%.
◾ وتركز تصريحات المسؤولين على أن أسباب ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية الفترة الماضية يعود إلى التغيرات المناخية وزيادة درجات الحرارة، مع تقلب الأسعار نتيجة العروات الزراعية ومواسم زراعة المحصول، متجاهلين دور الحكومة فيما يحدث.
◾ في هذا التقرير يشرح #متصدقش أسباب ارتفاع أسعار الخضروات إلى مستويات غير مسبوقة، ويوضح كيف لعبت القرارات الحكومية دورًا رئيسيًا في ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية.
⭕ تضرر المحاصيل الزراعية من قيود الاستيراد
◾ مع بداية العام الحالي، أثناء موسم زراعة عروة البطاطس الممتد بين ديسمبر فبراير، واجه الفلاحون أزمة حادة، نتيجة ارتفاع أسعار التقاوي بنسب تخطت 180% عن العام السابق، وذلك بسبب قيود الاستيراد، وعدم توفير البنوك الدولار لاستيراد الكميات اللازمة من المستلزمات الزراعية، لتأمين احتياجات موسم الزراعة.
◾ وفي ديسمبر 2023، حذر نقيب الفلاحين من أن ارتفاع أسعار تقاوي البطاطس المستوردة سيؤدي إلى زيادة أسعار البطاطس على المستهلكين في المستقبل القريب. لكن الحكومة لم تتخذ أي إجراءات، وفي بداية يناير 2024 أنكر السيد القصير، وزير الزراعة حينها، وجود أي أزمة في تقاوي البطاطس المستوردة.
◾ نقص التقاوي وارتفاع أسعارها، أجبر الفلاحين على تقليص المساحات المزروعة خلال الموسم، وأنذر باستمرار الازمة خلال مواسم الزراعة التالية، خاصة أن الفلاحين يعتمدون على التقاوي المستوردة لإنتاج بذور جديدة للعروات التالية.
◾ لاحقًا، انعكست الازمة على الأسعار، حيث ارتفع سعر البطاطس من حوالي 13 جنيهًا في يناير ليصل إلى قرابة 25 جنيهًا في سبتمبر الماضي، وفقاً لبيانات بوابة الأسعار الحكومية.
◾ ولم تقتصر الأزمة على محصول البطاطس وحده، بل طالت بقية المحاصيل، حيث شهدت أسعار تقاوي البصل ارتفاعًا بنسبة تصل إلى 100% ليسجل حاليًا 300 ألف جنيه، ما ينذر بزيادة أسعاره للمستهلكين بعد الحصاد في الموسم الجديد. وفي منتصف أكتوبر الماضي، زادت أسعار البصل لحوالي 30 جنيهًا للكيلو.
◾ ووفقًا لمزارعين من محافظات مختلفة، فقد شهد موسم الزراعة لهذا العام ارتفاعًا في أسعار البذور والتقاوي، سواء المستوردة أو المحلية، بأكثر من الضعف مقارنة بالعام الماضي.
◾ وفي سبتمبر 2024، ناشد نقيب الفلاحين المسؤولين لتوفير المستلزمات الزراعية بكميات كافية وبأسعار مناسبة، محذرًا من أن أسعار الطماطم قد تتجاوز أسعار المانجا، بسبب تقلص المساحات المزروعة في العروة السابقة.
◾ وخلال الفترة من يناير 2022 إلى أكتوبر 2024، سجلت أسعار معظم الخضروات ارتفاعات قياسية. فقد قفزت أسعار الطماطم بنسبة 440%، بينما ارتفعت أسعار البطاطس بحوالي 316%، وزادت أسعار البصل بنحو 226%. بحسب بيانات المركزي للإحصاء.
⭕ أزمة الطاقة تحولت إلى أزمة غذاء
◾ بعد تعطل إمدادات الغاز الإسرائيلية في أكتوبر 2023، بدأت الحكومة في تخفيض كميات الغاز الموردة إلى مصانع الأسمدة، ما تسبب في تعطل إنتاج المصانع، ورغم استئناف الإمدادات بعدها بأيام، إلا أن هذه لن تكون المرة الأخيرة، وسوف يتكرر الإجراء مرارًا في الأشهر التالية.
◾ في مايو ويونيو 2024، عاودت الحكومة قطع الغاز الطبيعي عن المصانع، مما أدى إلى توقفها عن الإنتاج لأكثر من 11 يومًا، قبل أن تستأنف العمل بشكل جزئي، وبطاقة إنتاجية محدودة بعد عودة إمدادات الغاز تدريجيًا.
◾ يُعد الغاز الطبيعي مكونًا أساسيًا في صناعة الأسمدة، حيث يُشكل حوالي 60% من تكلفة إنتاج كل طن، ونتيجة إيقاف إمدادات الغاز عن المصانع، خفضت المصانع بدورها من الحصص الشهرية الموردة إلى وزارة الزراعة بنسبة 56% في يونيو.
◾ أدى ذلك إلى تأخير صرف الجمعيات الزراعية لحصص الفلاحين من الأسمدة المدعمة، ما أجبرهم على شراء المنتج من السوق الحرة بأسعار مرتفعة. أو اللجوء إلى ري المحصول بدون سماد، وهو ما أثر سلبًا على حجم الإنتاجية، بحسب مزارعين تحدثوا إلى #متصدقش.
◾ وخلال نفس الشهر ارتفعت أسعار الأسمدة في السوق الحرة إلى 20 ألف جنيه في يونيو مقابل 13 ألفًا في مايو. ومع ضغوطات مصانع الأسمدة، رفعت الحكومة في أغسطس أسعار الأسمدة المدعمة على الفلاحين إلى 6000 جنيه مقارنةً بـ 4500 جنيه سابقًا.
◾ وتزود الحكومة مصانع الأسمدة بالغاز الطبيعي بأسعار مدعومة تقل عن الأسعار العالمية، مقابل توريد 55% من إنتاجها بأسعار مدعمة يتم الاتفاق عليها، فيما يُسمح للمصانع بتصدير النسبة المتبقية أو بيعها في السوق المحلية بأسعار حرة.
◾ وتتولى وزارة الزراعة توزيع الحصص المقررة من الأسمدة المدعمة على الفلاحين عبر الجمعيات التعاونية. ومع ذلك، نظرًا لمحدودية الكميات التي يحصلون عليها، يجد الفلاحين أنفسهم مضطرين إلى شراء كميات إضافية من السوق الحرة لتغطية احتياجاتهم. (مداخلات مصادر)
◾ محمد عبد الله، البالغ من العمر 28 عامًا، من محافظة الغربية، يروي تجربته قائلاً إنه هذا العام، وعلى عكس السنوات السابقة، قرر التوقف عن زراعة البطاطس والبسلة. واستغل كامل مساحة أرضه التي تقل عن فدان، في زراعة البرسيم فقط، لتوفير العلف لماشيته.
◾ السبب في ذلك يعود إلى أن عملية زراعة الخضروات برأيه لم تعد مضمونة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار التقاوي، إلى جانب حاجة هذه المحاصيل لكميات كبيرة من الأسمدة، وذلك في وقت لا توفر فيه الجمعية إلا كميات محدودة. وبالتالي، يجد نفسه مضطرًا لشراء الكميات المتبقية من السوق بأسعار مرتفعة.
◾ ويضيف محمد الذي يعمل في وظيفة أخرى إلى جانب الزراعة: "انا مش ضامن ولا عارف سعر المحصول اللي هبيع بيه في النهاية بعد ما اشتري كل حاجة غالية، وإذا كان السعر وقتها هيعوضني ولا هيخسرني".
⭕ ارتفاع أسعار الوقود
◾ منذ يناير 2022، رفعت مصر أسعار الوقود 8 مرات، وأتت هذه الزيادة ضمن الخطة المعلنة لرفع الدعم عن الوقود تدريجيًا حتى يصل لنقطة التوازن السعري بنهاية عام 2025.
◾ وكان السولار الذي يؤثر بشكل كبير على القطاع الزراعي، هو الوقود الأكثر ارتفاعًا بنسبة بلغت 100%، حيث تضاعف السعر من 6.75 جنيه في أبريل 2022 إلى 13.50 جنيه في أكتوبر 2024.
◾ لعبت هذه الزيادة دورًا في زيادة تكاليف الإنتاج الزراعي، حيث تعتمد الآلات الزراعية بشكل أساسي على السولار. وتسبب ارتفاع أسعاره المتكرر، في زيادة تكاليف تشغيل هذه المعدات على المزارعين، ودفعهم إلى زيادة أسعار المحاصيل.
◾ إلى جانب هذا، ارتفعت تكاليف النقل والتوزيع، حيث يعتمد نقل المحاصيل من المزارع والمناطق الريفية إلى الأسواق في المدن على وسائل النقل التي تستخدم السولار.
◾ يقول عبد المجيد صاحب إحدى متاجر بيع الخضروات والفواكه في منطقة مصر الجديدة، ان السولار يلعب دورًا رئيسيًا في تحديد أسعار السلع الزراعية، ويضيف أن الأسعار ترتفع عليه تلقائياً بمجرد زيادة أسعار السولار، إلى جانب تكاليف نقل البضاعة نفسها.
◾ ويستكمل قائلاً: “قبل أقل من سنة كانت النقلة اليومية من سوق العبور تكلفني حوالي 150 جنيهًا، أما اليوم فتصل التكلفة إلى 250 جنيهًا". هذا الارتفاع في تكاليف النقل إلى جانب تكاليف التشغيل الأخرى، يزيد من أعباء التجار والبائعين، وينعكس بدوره على أسعار السلع الزراعية المعروضة للمستهلكين.
مَا من حوار مَعك بعدَ الآن يا محمد..
— متصدقش (@matsda2sh) December 5, 2022
بمزيد من الحزن والألم، ينعى فريق عمل "متصدقش"، صديقنا، وشريكنا المؤسس، الصحفي محمد أبو الغيط.
قاوم أبو الغيط، مرض السرطان، بصبر وشجاعة نادرة، ورضا بقضاء الله حتى آخر لحظة. pic.twitter.com/9lywyhUbzK